فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال ابن العربي:

قوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.
فِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ:

.المسألة الْأُولَى: فِي تَأْوِيلِ الْفِتْنَةِ:

فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: الْفِتْنَةُ: الْمَنَاكِيرُ؛ نَهَى النَّاسَ أَنْ يُقِرُّوهَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ فَيَعُمَّهُمْ الْعَذَابُ؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ.
الثَّانِي: أَنَّهَا فِتْنَةُ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ، كَمَا قَالَ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ.
وَقَدْ رَوَى حُذَيْفَةُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ حِينَ سَأَلَهُ عُمَرُ عَنْ الْفِتْنَةِ، فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: «فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي جَارِهِ وَمَالِهِ وَأَهْلِهِ يُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ».
الثَّالِثُ: أَنَّهَا الْبَلَاءُ الَّذِي يُبْتَلَى بِهِ الْمَرْءُ؛ قَالَهُ الْحَسَنُ.

.المسألة الثَّانِيَةُ: الْمُخْتَارُ عِنْدَنَا:

أَنَّهَا فِتْنَةُ الْمَنَاكِيرِ بِالسُّكُوتِ عَلَيْهَا أَوْ التَّرَاضِي بِهَا، وَكُلُّ ذَلِكَ مُهْلِكٌ، وَهُوَ كَانَ دَاءَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكِرٍ فَعَلُوهُ}.
وَقَدْ قَدَّمْنَا مِنْ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إذَا اهْتَدَيْتُمْ}.
أَنَّ النَّاسَ إذَا رَأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ.
وَثَبَتَ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنُهْلَكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ، إذَا كَثُرَ الْخُبْثُ.
وَقَالَ عُمَرُ: إنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ الْعَامَّةَ بِذَنْبِ الْخَاصَّةِ، وَلَكِنْ إذَا عَمِلَ الْمُنْكَرَ جِهَارًا اسْتَحَلُّوا الْعُقُوبَةَ كُلُّهُمْ.
وَتَحْقِيقُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ قَالَ: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}.
وَقَالَ: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} فَقَدْ أَخْبَرَنَا رَبُّنَا أَنَّ كُلَّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبْتِ رَهِينَةٌ، وَأَنَّهُ لَا يُؤَاخِذُ أَحَدًا بِذَنْبِ أَحَدٍ، وَإِنَّمَا تَتَعَلَّقُ كُلُّ عُقُوبَةٍ بِصَاحِبِ الذَّنْبِ، بَيْدَ أَنَّ النَّاسَ إذَا تَظَاهَرُوا بِالْمُنْكَرِ فَمِنْ الْفَرْضِ عَلَى كُلِّ مَنْ رَآهُ أَنْ يُغَيِّرَهُ، فَإِذَا سَكَتَ عَنْهُ فَكُلُّهُمْ عَاصٍ، هَذَا بِفِعْلِهِ، وَهَذَا بِرِضَاهُ بِهِ.
وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ فِي حُكْمِهِ وَحِكْمَتِهِ الرَّاضِيَ بِمَنْزِلَةِ الْعَامِلِ؛ فَانْتَظَمَ الذَّنْبُ بِالْعُقُوبَةِ، وَلَمْ يَتَعَدَّ مَوْضِعَهُ، وَهَذَا نَفِيسٌ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ.
فَإِنْ قِيلَ، وَهِيَ:

.الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فَمَا مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ؟

قُلْنَا: هِيَ آيَةٌ بَدِيعَةٌ، وَمَعْنَاهَا عَلَى النَّاسِ مُرْتَبِكٌ، وَقَدْ بَيَّنَّاهَا فِي قَبَسِ الْمُوَطَّأِ، وَفِي مُلْجِئَةِ الْمُتَفَقِّهِينَ.
لُبَابُهُ أَنَّ قَوْلَهُ: (اتَّقُوا) أَمْرٌ.
وَقَوْلُهُ: {لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا} نَهْيٌ، وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ جَوَابَ الْأَمْرِ، فَيَبْقَى الْأَمْرُ بِغَيْرِ جَوَابٍ، فَيُشْكِلُ الْخِطَابُ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: {لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا} نَهْيٌ دُخُولُ النُّونِ الثَّقِيلَةِ فِيهِ، وَهِيَ لَا تَدْخُلُ إلَّا عَلَى فِعْلِ النَّهْيِ، أَوْ جَوَابِ الْقَسَمِ.
وَلَا تَظُنُّوا أَنَّ إشْكَالَ هَذِهِ الْآيَةِ حَدَثَ بَيْنَ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ بَلْ هُوَ أَمْرٌ سَالِفٌ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَلِذَلِكَ قَرَأَهَا قَوْمٌ: وَاتَّقُوا فِتْنَةً أَنْ تُصِيبَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً.
وَقَرَأَهَا آخَرُونَ: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَتُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً.
وَهَكَذَا يُرْوَى فِيهَا عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَكَانَ يَقُولُ ابْنُ مَسْعُودٍ إذَا قَرَأَهَا: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلَّا وَلَهُ فِتْنَةٌ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ.
وَكَانَ الزُّبَيْرُ يَقُولُ: كُنَّا نَظُنُّهَا لِغَيْرِنَا فَإِذَا بِهَا قَدْ أَصَابَتْنَا.
وَكَذَلِكَ كَانَ يَرَى ابْنُ عَبَّاسٍ.
وَأَمَّا فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ فَلَا تَتَعَدَّاهُ، وَلَا تَأْخُذُ بِالْعُقُوبَةِ سِوَاهُ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى فِي الْآيَةِ مَا ذَكَرْنَاه.
فَأَمَّا اعْتِرَاضُهُمْ بِالْإِعْرَابِ وَهِيَ:

.الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: [في إعراب الآية]:

فَقَدْ أَوْضَحْنَاهَا فِي الرِّسَالَةِ الْمُلْجِئَةِ وَقُلْنَا: فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ أَمْرٌ ثُمَّ نَهْيٌ، كُلُّ وَاحِدٍ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ، كَمَا تَقُولُ: قُمْ غَدًا.
لَا تَتَكَلَّمْ الْيَوْمَ.
الثَّانِي: الْإِعْرَابُ اتَّقُوا فِتْنَةً إنْ لَمْ تَتَّقُوهَا أَصَابَتْكُمْ.
فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَ: {اتَّقُوا فِتْنَةً} لَيْسَ بِكَلَامٍ مُسْتَقِلٍّ، فَيَصِحُّ أَنْ يَتَرَكَّبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ.
وَأَمَّا الثَّانِي، وَهُوَ جَوَابُ الطَّبَرِيِّ، فَلَا يُشْبِهُ مَنْزِلَتَهُ فِي الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ مَجَازَهُ: لَا تُصِيبُ الَّذِينَ ظَلَمُوا، وَلَمْ يُرِدْ كَذَلِكَ.
الثَّالِثُ: قَالَ لَنَا شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النَّحْوِيُّ: هَذَا نَهْيٌ فِيهِ مَعْنَى جَوَابِ الْأَمْرِ، كَمَا يُقَالُ: لَا تَزُلْ مِنْ الدَّابَّةِ لَا تَطْرَحَنَّكَ، وَقَدْ جَاءَ مِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ: {اُدْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ}.
وَهَذَا مُنْتَهَى الِاخْتِصَارِ وَقَدْ طَوَّلْنَاهُ فِي مَكَانِهِ. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {واتقوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الذين ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً}
قال مقاتل: نزلت الآية في شأن عليّ وطلحة والزبير.
قال الفقيه: حدثنا عمر بن محمد قال: حدثنا أبو بكر الواسطي قال: حدثنا إبراهيم بن يوسف قال: حدثنا قبيصة، عن سفيان، عن جويبر، عن الضحاك في قوله تعالى: {واتقوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الذين ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً} قال: نزلت في شأن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
قال: حدثنا عمر بن محمد قال: حدثنا أبو بكر الواسطي قال: حدثنا إبراهيم بن يوسف قال: حدثنا أبو معاوية، عن السدي، عن المعلى، عن أبي ذرّ أن عمر رضي الله عنه أخذ بيده يومًا فغمزها، فقال: خل عني يا قفل الفتنة.
فقال عمر: ما قولك قفل الفتنة؟ قال: إنك جئت ذات يوم فجلست في آخر القوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تُصِيبَنَّكُمْ فِتنْةٌ مَا دَامَ هذا فِيكُمْ».
وروي عن عليّ رضي الله عنه أنه قال: جعلت أنا وعثمان فتنة لهذه الأمة.
وقال بعضهم: قوله: {لاَّ تُصِيبَنَّ} هذا على وجه النهي ومعناه اتقوا فتنة، ثم نهى فقال: {لاَّ تُصِيبَنَّ}، يعني الذين ظلموا منكم خاصة، أي لا يتعرض الذين ظلموا منكم خاصة لما نزل بهم، وقَال بعضهم هذا جواب الأمر بلفظ النهي مثل قوله تعالى: {حتى إِذَا أَتَوْا على وَادِى النمل قَالَتْ نَمْلَةٌ يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سليمان وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} [النمل: 18].
ثم قال تعالى: {واعلموا أَنَّ الله شَدِيدُ العقاب}، أي لمن وقع في الفتنة. اهـ.

.قال الثعلبي:

{واتقوا فِتْنَةً} أي اختبار وبلاء يصيبكم.
وقال ابن زيد: الفتنة الضلالة {لاَّ تُصِيبَنَّ الذين ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً} واختلفوا في وجه قوله: {لاَّ تُصِيبَنَّ} من الاعراب.
فقال أهل البصرة: قوله (لا تصيبن) ليس بجواب ولكنّه نهي بعد أمره، ولو كان جوابًا ما دخلت النون.
وقال أهل الكوفة: أمرهم ثمّ نهاهم وفيه تأويل الجزاء فإن كان نهيًا كقوله: {يا أيها النمل ادخلوا مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ} [النمل: 18]. أمرهم ثمّ نهاهم، وفيه تأويل الجزاء وتقديره: واتقوا الله إن لم تنتهوا أصابتكم.
وقال الكسائي: وقعت النون في الجر بمكان التحذير، فلو قلت: قم لا أغضب عليك لم يكن فيه النون لأنّه جزاء محض.
وقال الفراء: هو جزاء فيه طرف من النهي كما تقول: أنزل عن الدابة لا يطرحك. ولا يطرحنك فهذا جزاء من الأمر بلفظ النهي. ومعناه: إن تنزل عنه لا يطرحنّك.
قال ابن عباس: نزلت هذه الآية في أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم خاصة. وقال: أمر الله المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم الله بالعذاب.
وقال الحسن: نزلت في عليّ وعمار وطلحة والزبير قال الزبير بن العوّام: يوم الجمل لقد قرأنا هذه الآية زمانًا وما أرنا من أهلها فإذا نحن المعنيون بها.
واتّقوا فتنة لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصّة. فحلفنا حتّى أصابتنا خاصّة. قال السدي: هذه الآية نزلت في أهل بدر خاصّة فأصابتهم يوم الجمل فأقبلوا.
وقال عبد الله بن مسعود ما منكم من أحد إلاّ هو مشتمل على الفتنة إنّ الله يقول: {أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ} [الأنفال: 28] فإيّكم استعاذ فليستعذ بالله من مضلاّت الفتن.
حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون من ناس من أصحابي إساءة يغفرها الله لهم بصحبتهم إياي يستنّ بهم فيها ناس يعذبهم فيدخلهم الله بها النار».
يحيى بن عبد الله عن أبيه عن أبي هريره قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتّى تأتي فتنة عمياء مظلمة المضطجع فيها خير من الجالس والجالس فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي».
فقال رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله إن أدركتني وأنا مضطجع قال: «فامش».
قال: أفرأيت إن أدركتني وأنا أمشي. قال: «ارقد» قال: أفرأيت إن أدركتني وأنا راقد فأجلس. قال: أفرأيت إن أدركتني وأنا جالس.
قال: «فقل هكذا بيدك، وضم يديه إلى جسده، حتّى تكون عند الله المظلوم ولا تكون عند الله الظالم».
عن زيد بن أبي زياد عن زيد بن الأصم عن حذيفة قال: أتتكم فتن كقطع الليل المظلم يهلك فيها كل شجاع بطل وكل راكب موضع وكل خطيب مشفع. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً}
فيها أربعة أقاويل:
أحدها: أنه المنكر، أمر الله تعالى المؤمنين ألا يقروه بين أظهرهم فيعمهم العذاب قاله ابن عباس.
والثاني: أنها الفتنة بالأموال والأولاد كما قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُم فِتْنَةٌ} [الأنفال: 28] قاله عبد الله بن مسعود.
والثالث: أن الفتنة هاهنا البلية التي يبلى الإنسان بها، قاله الحسن.
والرابع: أنها نزلت في النكاح بغير وليّ، قاله بشر بن الحارث.
ويحتمل خامسًا: أنها إظهار البدع.
وفي قوله تعالى: {لاَ تُصِيَبنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُم خَاصَّةً} وجهان:
أحدهما: لا تصيبن الفتنة الذين ظلموا.
الثاني: لا يصيبن عقابُ الفتنة، فتكون لأهل الجرائم عقوبة، ولأهل الصلاح ابتلاء.
وفيه وجه ثالث: أنه دعاء للمؤمن أن لا تصيبه فتنة، قاله الأخفش. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}
هذه الآية تحتمل تأويلات، أسبقها إلى النفس أن يريد الله أن يحذر جميع المؤمنين من فتنة إن أصابت لم تخص الظلمة فقط، بل تصيب الكل من ظالم وبريء، وهذا التأويل تأول فيها الزبير بن العوام رضي الله عنه، فإنه قال يوم الجمل وما علمت أنَّا أردنا بهذه الآية إلا اليوم، وما كنت أظنها إلا فيمن خوطب بها ذلك الوقت، وكذلك تأول الحسن البصري، فإنه قال: هذه الآية في علي وعمار وطلحة والزبير، وكذلك تأول ابن عباس، فإنه قال: أمر الله المؤمنين في هذه الآية أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم العذاب، وبينه القتبي فيما ذكر مكي عنه بيانًا شافيًا.
قال القاضي أبو محمد: فيجيء قوله: {لا تصيبن} على هذا التأويل صفة ل {فتنة}، فكان الواجب إذا قدرنا ذلك أن يكون اللفظ لا تصيب وتلطف لدخول النون الثقيلة في الخبر عن الفتنة فقال الزجّاج: زعم بعض النحويين أن الكلام جزاء فيه طرق من النهي، قال ومثله قوله تعالى: {ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم} [النمل: 18] فالمعنى أن تدخلوا لا يحطمنكم فكذلك هذا إن تتقوا لا تصيبن، وقال قوم: هو خبر بمعنى الجزاء فلذلك أمكن دخول النون، وقال المهدوي: وقيل هو جواب قسم مقدر تقديره واتقوا فتنة لا تصيبن، ودخلت النون مع لا حملًا على دخولها مع اللام فقط.
قال القاضي أبو محمد: وهذا في القول تكره، لأن جواب القسم إذا دخلته لا أو كان منفيًا في الجملة لم تدخل النون، وإذا كان موجبًا دخلته اللام والنون الشديدة كقوله والله لا يقوم زيد والله ليقومن زيد، هذا هو قانون الباب ولكن معنى هذه الآية يستقيم مع التكره الذي ذكرناه والتأويل الآخر في الآية هو أن يكون قوله: {واتقوا فتنة} خطابًا عامًا لجميع المؤمنين مستقلًا بنفسه تم الكلام عنده ثم ابتدأ نهي الظلمة خاصة عن التعرض للظلم فتصيبهم الفتنة خاصة وأخرج النهي على جهة المخاطبة للفتنة فهو نهي محول.
والعرب تفعل هذا كما قالوا لا أرينك هاهنا يريدون لا تقم هاهنا فتقع مني رؤيتك، ولم يريدوا نهي الإنسان الرائي نفسه، فكذلك المراد في الآية لا يقع من ظلمتكم ظلم فتقع من الفتنة إصابتهم، نحا إليه، الزجّاج، وهو قول أبي العباس المبرد وحكاه النقاش عن الفراء، ونهي الظلمة هاهنا بلفظ مخاطبة الجمع كما تقول لقوم لا يفعل سفهاءكم كذا وكذا وأنت إنما تريد نهي السفهاء فقط، و{خاصة} نعت لمصدر محذوف تقديره إصابة خاصة، فهي نصب على الحال لما انحذف المصدر من الضمير في {تصيبن} وهذا الفعل هو العامل، ويحتمل أن تكون {خاصة} حالًا من الضمير في {ظلموا} ولا يحتاج إلى تقدير مصدر محذوف والأول أمكن في المعنى، وقرأ علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وأبو جعفر محمد بن علي والربيع بن أنس وأبو العالية وابن جماز {لتصيبن} باللام على جواب قسم، والمعنى على هذا وعيد الظلمة فقط، قال أبو الفتح: يحتمل أن يراد بهذه القراءة {لا تصيبن} فحذف الألف من {لا} تخفيفًا واكتفاء بالحركة كما قالوا أم والله ويحتمل أن يراد بقراءة الجماعة، {لا تصيبن} فمطلت حركة اللام فحدثت عنها ألف.
قال القاضي أبو محمد: وهذا تنطع في التحميل وحكى النقاش هذه القراءة عن الزبير بن العوام، وهذا خلاف لما حكى الطبري وغيره من تأويل الزبير رضي الله عنه في الآية، وحكى النقاش عن ابن مسعود أنه قرأ {واتقوا فتنة أن تصيب} وقوله: {واعلموا أن الله شديد العقاب} وعيد يلتئم مع تأويل الزبير والحسن التئامًا حسنًا ويلتئم مع سائر التأويلات بوجوه مختلفة.
وروي عن علي بن سليمان الأخفش أن قوله: {لا تصيبن} هي على معنى الدعاء ذكره الزهراوي. اهـ.